5: ركائز السياسات المقترحة

تعتمد سياسة النفاذية الرقمية على خمس ركائز لدعمها وتحقيق الأهداف المرجوة:

  1. السلطة التنفيذية في الدولة؛
  2. السلطة التشريعية في الدولة؛
  3. منظمات المجتمع المدني الممثلة للأشخاص ذوي الإعاقة ولمختلف الأعمار؛
  4. وسائل الإعلام؛
  5. القطاع الخاص.

السلطة التنفيذية هي المخولة بوضع السياسات التي توجّه أعمال المؤسسات الحكومية، ووضع سياسة وطنية للنفاذية الرقمية تعتبر احدى أهم الخطوات في تحقيق أهداف وتعزيز النفاذية الرقمية على المستوى الوطني، وخاصة أن سياسات السلطة التنفيذية تتسم بالمرونة عكس القوانين، وتؤثر على القطاع العام ككل، وعلى القطاع الخاص المرتبط بالمشاريع الحكومية، وكل حكومة لها طريقتها في رسم وتنفيذ سياساتها، وذلك بتكليف جهة اشرافية معنية بتنفيذ تلك السياسة (هيئة تنظيم الاتصالات- وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات – وزارة الشؤون الاجتماعية ) أو أن اعتماد "نهج الحكومة ككل" في تطبيق النفاذية الرقمية حيث كل مؤسسة حكومية (وزارة- هيئة – ادارة) معنية بتنفيذ متطلبات النفاذية الرقمية في مجال خدماتها، وتعمل هيئة عليا على الاشراف على خطة التنفيذ.

وتجدر الإشارة إلى أن السلطة التنفيذية لا تسن قوانين، ولا يمكن أن تفرض ضمن السياسات الوطنية عقوبات جنائية أو شبه جنائية لإنفاذها ولا يمكن للسياسات أن تنفذ إلا ما تسمح به ولايتها بالقيام به، ولذلك قد تكون قدرتها على التأثير على أي طرف لا يخضع لسيطرتها المباشرة مثل القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية محدودة، وينحصر مجال إلزامية التنفيذ لديها ضمن القطاعات الحكومية ومن في حكمها من شركات مختلطة أو تتبع للقطاع الحكومي.

لذلك كان من الضروري أن تلحظ السلطة التنفيذية في واحدة من مجالات العمل (التركيز) عند بنائها للسياسة الوطنية للنفاذية الرقمية تعزيزها بتشريعات تستند عليها لتوسيع ولايتها (قدراتها على إلزام الاطراف المعنية على التنفيذ).

السلطة التشريعية هي المعنية في اصدار القوانين، وأن للقوانين القدرة على تغطية نطاق واسع يشمل الحكومة التنفيذية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. وأنه من الممكن أن تتضمن القوانين آليات إنفاذ وإلزام من الممكن أن تستخدمها السلطة التنفيذية في تنفيذ ومتابعة الالتزام بالتنفيذ لسياسة النفاذية الرقمية، لكن لابد من الانتباه الى حقيقة أن القوانين تحتاج الى متطلبات لإصدارها عبر المجالس التشريعية والتي من الممكن أن تأخذ وقتاً لاعتمادها، وايضاً هي اقل مرونة لمتطلبات تعديلها، ومن هنا تتأتى أهمية أن تكون القوانين الخاصة بالنفاذية الرقمية مرنة وتمنح واضعي السياسات الوطنية الولاية (المساحة التنفيذية) عند وضعها لسياسة النفاذية الرقمية وأيضاً حق تعديلها وتطويرها.

ولابد للقوانين الخاصة بالنفاذية الرقمية، أن تلحظ القوانين الوطنية المتعلقة، والاتفاقات الدولية، وأن تمنح السلطات التنفيذية اعتماد المعايير العالمية والوطنية الخاصة بالنفاذية الرقمية.

إن اعتماد منظمات المجتمع المدني الممثلة للأشخاص ذوي الإعاقة كشريك في وضع السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية، يعزز السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية من عدة نواح، الأول والأهم هو التأكد من أن السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية أكثر اقتراباً من متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة، كون من شارك في وضع تلك السياسة من المنظمات أقدر على نقل متطلباتهم والأولويات في مجال تنفيذها، والثاني هو أنه من الممكن للمنظّمات غير الحكومية أن تقدّم الدعم المجتمعي في عملية تنفيذ السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية، وأن تشارك في تعزيز ادماج مفاهيم وتطبيقات النفاذية الرقمية لدى القطاع الخاص بطريقة أكثر ليونة من قوانين السلطة التشريعية وادواتها. والثالث هو أنه من الممكن للمنظّمات غير الحكومية أن تجمع الخبرات للتركيز على قضايا محدّدة في المجتمعات المحلية لدعم الركائز الأخرى (المرأة، الأطفال، المناطق الاقل تطوراً...وتراكيب مجتمعة منها (التقاطعية)... الخ ) وتعمل لتشميلهم ضمن أهداف النفاذية الرقمية ضمن مبدأ " لانترك أحد خلفاً" .

وسائل الإعلام لديها موقف متميز من حيث القدرة على نقل الرسائل إلى الجمهور، والإعلام يؤدي دوراً اساسياً في ايصال التقدم في مجالات النفاذية الرقمية، والترويج لها، مما يرفع من عدد مستخدمي تلك الخدمات من الأشخاص ذوي الإعاقة ويحقق أهداف السياسة الوطنية في تعزيز مخرجات النفاذية، وذلك عبر الترويج لها أولاً، ومن ثم متابعة ملاحظات وآراء مستخدمي تلك الخدمات من قبل الأشخاص ذوي الإعاقة، وبناء جسر تواصل، يساعد في عمليات التحسين المستمر لتلك الخدمات.

القطاع الخاص له أدوار مهمة يؤديها في تعزيز وادماج مخرجات السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية، لكن لابدّ من التنويه أن معظم سياسات النفاذية الرقمية استثنت القطاع الخاص الصغير من تطبيق النفاذية الرقمية لإمكانية أن يرهقه ذلك مالياً، وبالقابل فرضت النفاذية الرقمية على القطاع الخاص الكبير والمتوسط ذي الخدمات العامة أيضاً مثل قطاع المصارف، والقطاع الصحي الخاص، والتعليم والتأهيل والتدريب بأنواعه (جامعات، مدارس، مؤسسات تدريب)، وأيضاً القطاع الخاص المتخصص بالنقل بأنواعه، والتسوق الالكتروني، وأي مشروع مشترك بين القطاع الخاص والعام، أو خدمات تقدم من قبل القطاع الخاص عبر المواقع الحكومية.

ولابد من الانتباه الى ضرورة إعطاء الزمن الكافي للقطاع الخاص لتعديل خدماته بما يتوافق مع شروط السياسة الوطنية للنفاذية الرقمية، وذلك لعدم وضع متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة للنفاذية الرقمية والتي قد تكون مكلفة مالياً في مواجهة مع القطاع الخاص واعتبار النفاذية الرقمية عبئاً اقتصادياً. ولا شك أن السياسة الإعلامية المرتبطة بالسياسة الوطنية للنفاذية الرقمية، وإشراك المنظمات غير الحكومية (الأهلية) يساعد في تسريع تطبيق مفاهيم النفاذية الرقمية لدى القطاع الخاص.

عموماً القطاع الخاص العالمي وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية بدأ تدريجياً بتبني النفاذية الرقمية، وفي بعض الحالات، تتوفر أسواق واعدة للنفاذية الرقمية من حيث وصولهم الى شرائح جديدة من الزبائن (الأشخاص ذوي الإعاقة) حيث أصبحت أعدادهم كبيرة بما يكفي لتبرير الإنفاق الإضافي المطلوب لتطبيق معايير النفاذية الرقمية أو قسماً منها على مواقعهم الالكترونية وخدماتهم على التطبيقات المخصصة للأجهزة المحمولة، هذا بالإضافة أن معايير النفاذية الرقمية ذاتها من الممكن أن تخدم "الكبار في السن" من الزبائن وهم شريحة أخرى من المستهلكين لا يمكن أن تهمل اقتصادياً أو اجتماعياً.

ولا شك أن القطاع الخاص يؤدي دوراً هاماً في عملية إدماج سياسة النفاذية الرقمية، في الحياة الاقتصادية والتعليم، وأيضاً في مجال صناعة المحتوى (الخدمي أم الترفيهي) والذي هو عملياً له الحصة الأكبر منه.

arrow-up icon